الريع في الاعلاف و آثاره على منظومة الإنتاج الحيواني

غالبا ما تكون القطاعات التي تدر أكثر أرباحا جذابة لأغلب الإستثمارات وغالبا ما نرى عدد المتدخلين فيها يرتفع من سنة إلى أخرى . غير أن هذه النظرية لا تنطبق على عدة مجالات في تونس وخاصة مجال الأعلاف وتربية الدواجن والتربية الحيوانية بصفة عامة، حيث يشهد هذا القطاع المربح تقهقرا كبيرا في عدد الناشطين و عزوف عن الاستثمار فيه جراء نزيف الخسائر المتواصلة بسبب تمتع أقلية من المتدخلين في المجال بأغلب الأرباح.
تعتمد تربية الدواجن ككل منظومات الانتاج الحيواني على الأعلاف التي تمثل على الأقل 70 % من كلفة الإنتاج. فيكون المستثمر في المجال حتميا أكثر تنافسية إذا تمكن من تخفيض كلفة الاعلاف.
الأعلاف المستعملة في هذا القطاع اعلافا مركبة من من مكونين أساسيين: فول الصوجا و الذرة العلفية. تخضع اسعارها للتداول يومياً في بورصة شيكاغو وبما انها أسعار تخضع لبورصة عالمية فان مجال المناورة والمضاربة في الأسعار يكون شبه مستحيل بسبب تقلب السوق والتغير الفجئي للأسعار. مع ذلك نجد السوق التونسي فوق كل هذه التقلبات فالأسعار لا تعرف سوى المنحى التصاعدي.
– عقب تغيير الحكم في 1987 ، سعت تونس إلى تعزيز المكاسب التي حققتها عبر سياسة التحرير الهيكلي لنسيجها الاقتصادي ، وكان الهدف من برنامج الخصخصة المنفذ هو تحسين أداء القطاعات المنتجة مع خفض الدعم الموجه اليها للحد من العجز في المالية العامة[1]. في هذا الإطار تدخل المرسوم الصادر في 11 جانفي 1997[2] ليضع حد لاحتكار ديوان الحبوب استيراد كسب الصوجا وبذور الذرة
قبل هذا التاريخ ، كان كل المتدخلين (مربي الماشية و الصناعيين والمداجن) قادرين على الوصول إلى المواد الخام بنفس السعر ، بصرف النظر عن حجم استثماراتهم. و لتجنب ضغط السوق و العدالة بين المتدخلين ، أرسى المرسوم المذكور أعلاه لجنة للرصد والرقابة تجتمع كل شهر لمراقبة الأسعار و الهوامش و المخزون الاستراتيجي. السنوات الأولى التي أعقبت نشر المرسوم حافظ المستوردون على الأسعار عند مستوى تنافسي إلى ان قرر صناعي تونسي إطلاق مشروع ضخم لاستيراد وتحويل الصوجا محليا في أوائل القرن 21
في بداية القرن الواحد و العشرين، قام المصنع التونسي ببعث مشروع استثماري ضخم. يشمل هذا المشروع إرساء أول وحدة سحق فول الصويا في البلاد. هكذا كانت بدايات حبوب قرطاج (CG). انطلق المشروع في عام 2003 في سوق متنامية تشهد ارتفاع في طلب فول الصويا والزيوت النباتية.
أدت المفاوضات الى اتفاق بين CG من جهة و مجمع بولينا(Poulina)، الفا(ALFA) و الكو(ALCO) من جهة أخرى. ينص هذا الاتفاق، حسب العديد من المراقبين، على التزام من طرف CG بعدم توفير احتياجات أي متدخل آخر من القطاع. في الواقع، كل الأدلة تشير أن هذه هي الحالة متواصلة منذ ذلك الحين، فلا تتعامل CG الا مع الجهات المذكورة أعلاه.
فحسب الغرفة الجهوية للدواجن بصفاقس بالاضافة الى الجمعية التونسية لمنتجي بيض الاستهلاك، رفضت شركة حبوب قرطاج رفضا عنيدا التعامل مع صغار المنتجين، وذلك بحجة أن التكلفة اللوجيستية مرتفعة، مما يشكل خرقا للفصل 31 من قانون عدد 36 لسنة 2015 مؤرخ في 15 سبتمبر 2015 يتعلق بإعادة تنظيم المنافسة والأسعار.
أما اليوم، توفر حبوب قرطاج شهريا 37 ألف طن من فول الصويا للمجامع الثلاث على التوالي لمجمع POULINA ب18000طن، لمجمع ALFA ب12000طن و ALCO ب7000طن. كما يحتوي مجمع POULINA على وحدة سحق فول الصويا بمعدل انتاج 320طن/اليوم من الصويا (في مقابل 2200 طن/اليوم بالنسبة إلى CG). تبعد هذه الوحدة من وحدة CG مسافة لا تتجاوز الكيلومتر وتنتج 20% من طاقة انتاجها، و هذا ما يشير الى امكانية التعاون الفني بين المؤسستين.
يشكل منتجو الدواجن الذين استبعدتهم شركة قرطاج للحبوب الضحايا المباشرين لهذه الوفاق الذي يعرقل الأداء التنافسي للسوق. حيث لا يمكن للأغلبية الساحقة من أصحاب المهنة التمتع بالاسعار التي تستفيد منها المجموعات الرئيسية الثلاث .وبالإضافة إلى التكاليف الكبيرة لانتصاب مصنع تحويل الحبوب الصوجا الخام، يخضع استيراد كسب الصوجا لرسوم ديوانية بنسبة 15% (فضلا عن ضريبة خاصة بنسبة 2.5% على الذرة ) منذ انتصاب قرطاج للحبوب كما تستفيد شركة قرطاج للحبوب من المزايا الضريبية والمالية (الإعفاءات الضريبية الجزئية أو الكلية ، وإلغاء الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة ، و غيرها) فيما يتصل بحجم المشروع ومنطقة الاستثمار (منطقة زغوان منطقة استثمار صنف ا ذات اولوية).كما تستفيد من مزايا و منح النهوض بالقطاع الفلاحي في صناعات التحويل الأولية. ولذلك فإن استيراد كسب الصوجا مكلف نتيجة الامتيازات الممنوحة لحبوب قرطاج والقدرات المالية المحدودة جدا لصغار المنتجين.
تستمد هذه الحالة من عدم التوازن في السوق قوتها من الاتفاق بين ثلاث مجموعات نجحت في تحقيق اندماج عمودي مهيكل من جهة، ومنتج للمادة الخام يقفل السوق وضع نفسه في مركز الهيمنة بفضل وضعه المتميز كمورد وحيد للمادة . ويسمح هذا الاندماج العمودي لمجموعات بولينا وألفا وألكو بأن يكونوا على حد سواء
- تجار مواد الاولية (كسب الصوجا والذرة) من خلال شركة “سدرية “لمجمع بولينا و “نوتريسود” ولمجمع الفا و “ميدي غرين” لمجمع الكو
- منتجون للاعلاف المركبة من خلال “آلماس” لمجمع بولينا و “ميديميكس” لمجمع الفا و SNA
- مربي ومنتجي الدواجن والبيض من خلال المزرعة لمجمع بولينا و شهية لمجمع الفا وعلامة خاصة لمجمع الكو
وأنشأت مجموعة بولينا شركة سدرية لتزويد المنتجين الذين لم يعد بمقدورهم التزود بالمواد الخام من قرطاج للحبوب ويمثل رقم معاملاتها هذا نحو 60% من الطلب الوطني على الذرة و الصوجا، وهو 1.1 مليون طن (2/3 من الذرة و1/3 من كسب الصوجا). ونظرا للقيود القاسية التي تفرضها السلطات التونسية لمنح ترخيص استيراد الذرة وكسب الصوجا، وانخفاض هوامش ربح هذه المواد الخام ، ونظرا لأن أكبر مصنعي الاعلاف المركبة يستوردون مباشرة احتياجاتهم من الذرة و الصوجا ، لا يوجد حاليا سوى ستة فاعلين في السوق و هم
لذلك يجد مربو الدواجن أنفسهم في مواجهة ممارسات غير قانونية لا يمكنهم التخلص منها من خلال إلزامهم على التزود بالأعلاف من منافسيهم المباشرين
ا. حالة بيع كسب الصوجا
وفقا لمحضر اجتماع لجنة الاعلاف المنعقدة في جانفي 2020 ، تقوم شركة بولينا وشركة الفا وشركة الكو بتسجيل الطن من كسب الصوجا بأسعار باهظة ودون أدنى مبرر [انظر الرسم البياني 1]. ووفقا لنفس الوثيقة أيضا ، باعت الشركات التجارية التابعة للمجموعات المذكورة آنفا ، في أكتوبر 2019 ، الطن من كسب الصوجا بما قيمته 1460 دينار في حين ان سعر الشراء من حبوب قرطاج يقدر ب 1057,7 دينار للطن حسب نقابة مربي الدواجن . وبهذه الطريقة ، تمكنت هذه الشركات من تأمين أرباح تصل إلى 400 مليون دينارسنويا فقط من بيع منتوج دون ادنى قيمة مضافة

ب. حالة بيع الذرة العلفية
بالنسبة الذرة العلفية فإن الامر لا يختلف كثيراً عن الصوجا . حيث أن المجمعات الكبرى تتزود مباشرة من السوق العالمية والهدف دائما هو تحقيق ارباح كبيرة وإضعاف المنافسة و دائما ما تكون الأسعار ذات نسق تصاعدي بعيدا عن تقلبات السوق العالمية. حيث إن القدرة المالية المحدودة لصغار منتجي الدواجن ، فضلاً عن القوانين السارية[5]، تجعلهم غير قادرين على استيراد احتياجاتهم من الذرة ، وبالتالي فإنهم مضطرون إلى التوجه الى منافسيهم
ج. بيع الأعلاف المركبة بجودة متدنية و بتسهيلات في الدفع
صناعة الاعلاف المركبة ليست عملية لخلط عدة مكونات فقط و لكن هذا الخلط يتم على أسس علمية لتلبية حاجة الحيوان الغذائية حسب العمر و الحجم و نوع الانتاج . ورغم التكلفة الباهظة لاعداد الأعلاف المركزة في الضيعة من تكلفة استثمار و شراء المواد الاولية و ضياع الوقت و الجهد فإن عددا من المربين يفضلون أعداد اعلافهم محليا عوض شراء الاعلاف المركبة الجاهزة التي تعدها المجمعات الكبرى و التي هي في نفس الوقت في وضع منافسة غير شريفة مع بقية المربيين حيث أن هذه الشركات تبيع لبقية المنتجين عادة اعلاف دون الجودة المطلوبة اما بالتلاعب بنسب المكونات أو إضافة مكونات غير صحية في التغذية الحيوانية كالمعجنات أو إضافة نسب عالية من الكلس (الحجارة). مع هذا تتجه اغلبية صغار المنتجين نحو شراء الاعلاف الجاهزة نظرا لعدم قدرتهم على الاستثمار و للتسهيلات الكبيرة في الدفع الممنوحة من شركات الاعلاف
ا. اندثار صغار المربين
عندما يوضع صغار المنتجين وجها لوجه مع مجموعات كبرى تتمتع بامتيازات ضريبية و منظومة قانونية على المقاس و مواد أولية باسعار بخسة لا يمكن لهم البقاء في حلقة الانتاج في سوق تزداد انغلاقا. وكمثال لذلك، انخفض عدد منتجي الديك الرومي من 600 إلى 3 خلال سنوات قليلة هم 3 شركات كبرى تحتكر الاعلاف وذلك لأسباب وجيهة ، فعندما يتحول منافسو شركات الاعلاف إلى مدينين لهم ، تضعف قدرتهم على المقاومة طويلا. وكما كان الحال بالنسبة لشركة دواجن ، تقدر قيمتها بـ 2.5 مليون دينار استحوذت عليها مجموعة بولينا مقابل 500 الف دينار كنوع من المقايضة مقابل ديون الاعلاف المتخلدة بالذمة
ب. أرباح خيالية
وفقاً المجمع المهني المشترك لمنتوجات الدواجن و الارانب ، كانت تكلفة وحدة الإنتاج لبيض الاستهلاك بين 190.7 و200 مليم من جوان 2019 إلى جوان 2020 مقابل سعر بيع يتراوح بين 140.9 و188.5 مليم. ويبلغ متوسط الخسائر التي يتكبدها المربون 26.1 مليمفي نفس الفترة
وعلى الرغم من هذه الأرقام ، يحقق أكبر 3 منتجين للدواجن، وهم منتجوا الاعلاف، أرباحا كبيرة عاما بعد عام.
أعلنت مجموعة بولينا على سبيل المثال تحقيق أرباح صافية قدرها 130 مليون دينار في عام[6]2019. وتعكس هذه الفرق اختلال التوازن في قطاع بأكمله. ففي السوق مركز على ثلاثة لاعبين فقط ، وبفضل وفاقهم الإجرامي و الاندماجهم العمودي ، لا يحققون أرباح ضخمة فحسب ، بل و يبتلعون منافسيهم مستفيدين من احتكار سوق الاعلاف و ضعيفة التكلفة مقارنة ببقية المندمجين في المنظومة
ج. الدولة تلعب دور المتفرج
خلال السنوات الماضية غضت اجهزة الدولة النظر عن جشع هذه المجمعات لغايات تبدوا انتخابوية ولمصالح مشبوهة خاصة في فترة حكومة يوسف الشاهد خلال تولي وزيري التجارة والفلاحة عمر الباهي وسمير بالطيب، عبر تعطيل عمل لجنة الاعلاف صلب وزارة الفلاحة و تحديد أسعار منتجات الدواجن والحليب بتسعيرها أقل من كلفة الإنتاج التي تعد مرتفعة أساسا نظرا لارتفاع سعر الأعلاف والتي تمثل 70% من هذه الكلفة فانقلب الربح الى خسارة مزمنة للمنتجين
الاشكال في عمل وزارة التجارة كل ما تعلق الامر بالضغط على الاسعار هو الاكتفاء بتسعير المنتوج النهائي . والفائدة الوحيدة من هذا النوع من القرارت الشعبوية هو كسب اللسلم الاجتماعي لمدة وجيزة. لأن التغاضي على مختلف مراحل الانتاج و التوزيع يعطي الفرصة لكرتالات المواد الاولية ان تحدد الهامش الربحي الذي يخدم مصالحها الخاصة ولمافيات مسالك التوزيع ان تضارب على الاسعار. و في كلا الحالتين يكون الفلاح او الحرفي، اضعف حلقات الانتاج والضحية. و هذا ما نراه في مجال الدواجن، اذ ان كرتال الاعلاف يحقق ارباحا غير معقولة، و الفلاح يبيع منتوجاته بسعر يقل على سعر التكلفة و هذا ما يؤدي حتميا إلى افلاسه.
بعد ضغط من منظمة آلارت إلى جانب نقابت صغار المنتجين بقي تدخل الدولة تدخل محتشما عبر تحديد هامش الربح في المواد الاولية عبر المقرر الصادر بتاريخ 19فيفري 2021 الذي ينص على ضرورة مراجعة الأسعار لدى حبوب قرطاج مع كل تطور في الأسعار العالمية و تم تحديد سعر بيع الطن من كسب الصوجا ب 1624 دينار و تحديد هامش الربح ب 10% ثم تابعته بعدم السهر على تطبيق هذا المقرر الذي جوبه في بداية الأمر برفض البيع للعموم و ثانيا بعدم المتابعة نظرا لتهاوي الأسعار العالمية دون مراجعة السعر في تونس مما أعاد هامش الربح الى مستويات مرتفعة
كما عجزت على تمرير أمر حكومي يجعل الاعلاف مادة اساسية تخضع للتسعير تحت ضغط رهيب من هذه المجمعات . و هذا الضغط يمارس في كل الغرف المهنية المشتركة في المجال الفلاحي حيث أن كفة لوبي الاعراف هو المسير لهذه الغرف أما الادارة وبقية المنظمات كاتحاد الفلاحين مجرد شاهدي زور
في ظل هذه الحالة الكارثية و في محاولة لإنقاذ منظومات الانتاج التي تساهم في خلق مئات آلاف مواطن الشغل إضافة لدورها في السلم الاجتماعي و في حماية أمننا الغذائي تطالب منظمة آلارت ب
تمرير مشروع الأمر الحكومي الخاص بالأعلاف القاضي باستثناء مختلف التركيبات العلفية ومدخلات إنتاجها من نظام حرية الاسعار على معنى الفصل 3 من قانون عدد 36 المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة والاسعار لسنة 2015
تطبيق القانون على المحتكرين: تفعيل دور مجلس المنافسة لمعاقبة كل من الفا و الكو و بولينا و قرطاج للحبوب لتشكيل وفاق للتحكم بأسعار المواد الاولية واستغلال وضعية هيمنة و الذي يمنعهما الفصل الخامس من القانون 36 لسنة 2015 إلى جانب الامتناع عن البيع و الذي يجرمه الفصل 31 من نفس القانون.
توحيد مرجع النظر تحت ادارة معنية بالاعلاف مستقلة بذاتها في قرارها تعنى بالرقابة على السوق و جودة المنتوجات و تقوم بالتخطيط و الاستراتيجيات الوطنية
جعل هامش الربح مرتبط بالاسعار العالمية و تكون الادارة التي سبق اقتراحها هي الجهة المعدلة للأسعار بصفة دورية مرة كل شهر
إعداد استراتيجية وطنية لتشجيع زراعة الأعلاف محليا و تقليص الارتباط بالسوق العالمية المتقلبة و استنزاف العملة الصعبة
تحقيق مبدأ المساواة في الحقوق الاقتصادية بتعميم جميع الامتيازات الممنوحة للمجمعات الكبرى للأعلاف على جميع المستثمرين في المجال أو الغائها لدى الجميع