الريع في قطاع التمور
يمثل قطاع تصدير التمور 18٪ من الصادرات الزراعية للبلاد و يشغل اكثر من 50،000 مواطن تونسي. لكن و رغم اهمية هذه الارقام فان آفاق هذا القطاع أكبر بكثير كميا و كيفيا و يمكن تحقيق ارقام افضل لو تمكنا من تجاوز الطبيعة الاحتكارية لهذا القطاع الذي يعاني من عدة صعوبات نعدد بعضا منها في هذا التقرير
يعاني الفلاحون في قطاع التمور من مشاكل شبيهة بالمشاكل التي يواجهها بقية فلاحو البلاد و نذكر منها مشكلة غياب شهادات الملكية و المشاكل العقارية بصفة عامة و التي سبق للمنظمة التطرق اليها في تقرير مفصل، حيث ان 75% من التمور المصدرة متاتية من اراضي غير مسجلة. يفتح هذا الاشكال بابا للاستغلال اذ يبقى الفلاحون مقصيين من الاسواق المالية و هو ما يمنعهم من الاستثمار لتحسين انتاجية اراضيهم و الحصول على تسهيلات مالية للتصرف في الصابة فيبقى الحل الوحيد لديهم هو الالتجاء الى مقرضين خواص عادة ما يكونون من كبار مجمعي التمور و هو ما يجعل الفلاح تحت رحمة هذه المجمعات.
تاتي عديد الشهادات لتؤكد ما سبق ذكره حيث يلعب كبار المجمعين دور البنوك بالنسبة لتمويل الفلاحين كما يلعبون دور الدولة في الارشاد الفلاحي حيث يوفر هؤلاء الادوية و الافخاخ و كل ما يحتاجه الفلاح من ادوات خفيفة للانتاج. طبعا لا يأتي كل هذا الدعم بدون مقابل، فماهي الا استراتيجية للسيطرة على الفلاحين و الضغط عليهم و امتصاص غضبهم عند الحاجة لاحتكار السوق باريحية.
كما تواجه زراعة التمور في تونس مشاكل متعلقة بالشح المائي حيث ان الري في مناطق الانتاج يعد نادرا كما ساهم برنامج اعادة هيكلة الواحات التي قامت به الدولة في التسعينات بالقضاء على الواحات التقليدية التي كانت تحتوي على زراعات تمتد على 3 طوابق و كثافة تصل الى 300 نخلة/هكتار مقابل معدل 100 نخلة/هكتار بعد اعادة التاهيل.
و لئن قام برنامج اعادة هيكلة القطاع بتحسين إنتاجية الواحات الا انه تجاوز تماما مسألة العنصر البشري و وضعية اليد العاملة داخل حلقة الانتاج، حيث يعاني العمال الفلاحييون في القطاع من وضعية اجتماعية شديدة التردي حيث ان معظم مواطن الشغل موسمية و التغطية الاجتماعية شبه غائبة. و تتواصل ظواهر خلنا انها انتهت مع انتهاء الاقطاع منذ قرون مثل ظاهرة “الخماسة” و التي تبدو بارزة فوق العادة في قطاع انتاج التمور
تجعل كل هذه الظروف انتاجية الواحات ضعيفة و نتيجة لذلك الوضع المالي للفلاحين متواضعا وهو ما يجعله الحلقة الاضعف في سلم الانتاج و عرضة للاستغلال الفاحش من قبل لوبيات تجميع التمور
تعتبر مسالك توزيع التمور تقليدية جدا و تختلف عن مسالك توزيع بقية الخضر و الغلال حيث لا تلعب اسواق الجملة دورا مهما فيها على عكس المعتاد. في المقابل يعتمد التوزيع على العلاقات الشخصية و الثقة و الاتفاقات الشفوية بين مختلف المتعاملين و هي خاصية الاسواق التقليدية و تعتبر هذه الظاهرة مضرة حيث تبقى دوائر التعامل بين مختلف المتدخلين ضيقة و يصعب السهر على تطبيق القانون فيها.
يتعامل الفلاحون مباشرة مع وسطاء، عادة ما تربطهم بهم علاقات سابقة و يقوم هؤلاء الوسطاء بعملية الربط بين المنتجين و المجمعين الى جانب نقل البضاعة مقابل عمولة بسيطة. اما من يتولى تعليب و تحويل و توزيع التمور اما للخارج عبر التصدير او للسوق المحلية.
يحتكر بعض الفاعلين الاقتصاديين تجميع و توزيع التمور و اهمهم عائلة حرشاني وبوجبل، عن طريق القانون الذي يحتوي حاجز يمنع دخول أي عناصر جديدة في السوق
هم لصوص يختبئون وراء النصوص مثل ما قال رئيس الجمهورية قيس سعيد في العديد من خطاباته
للعمل في قطاع التمور كجامع لهذه الثمرة، يجب أن يكون لديك شهادة كفاءة يتم إصدارها من قبل المجمع المهني للتمور الذي يتكون من الفاعلين الأساسيين في هذا القطاع. وهو ما يعني أنك تحتاج موافقة منافسيك لكي تستطيع العمل في هذا الميدان و هو ما ينص عليه الفصل 22 من كراس شروط ممارسة نشاط تجميع التمور وبهذه الطريقة يستخدم بارونات قطاع التمور المجمع المهني لمنع دخول أي منافس جديد لهم
يمكن احتكار مسالك التوزيع هؤلاء المجمعين من فرض ارادتهم على كل المتدخلين في القطاع من منتجين و وسطاء و حتى مستهلكين فيستحوذون بذلك على جل الارباح المتواجدة في القطاع بفرض اسعار منخفضة عند الشراء و السطو على القيمة المضافة للفلاحين و بفرض اسعار مرتفعة عند البيع و استخراج اكثر ما يمكن من ثروة لدى المستهلك
وهذا ما يمكنهم من الإستفادة من هوامش ربح كبيرة للغاية حيث يشترون الكيلوغرام من التمور بسعر 2 دينار ويبيعونه بأكثر من 8 دينارات
تقع سلاسل الأنشطة المولدة للقيمة المضافة من وتعبئة و تثمين للمنتجات خارج مناطق الإنتاج حيث تتصدر ولاية نابل قائمة الولايات المصدرة للتمور رغم انها لا تنتج و لو ثمرة واحدة. فبذلك تكون اغلب مواطن الشغل القارة المتعلقة بقطاع التمور خارج الولايات المنتجة لها و التي يقتصر دورها في التقسيم الوطني للعمل، ان صح التعبير، على توفير المنتوجات الاولية دون اي ارتقاء في سلم القيمة المضافة وهو ما يجعل المناطق المنتجة ڨبلي وتوزر مستغلة إلى أقصى الدرجات ولا يمكن توصيف وضعها إلا كونه إستعمار داخلي
هذه الوضعية ليست محض الصدفة بل هي نتاج لسياسة تخلت فيها الدولة عن مسؤولياتها و تركت سلطتها التعديلية و الرقابية لكبار المجمعين المتحكمين في مجال التمور فنجد غيابا كليا لاستراتيجية تنموية للقطاع بل و كل قرارات الدولة تصب لفائدة هذه الفئة على حساب بقية المتدخلين. ابرز مثال على هذا الاقصاء الممنهج و الذي يخدم مصلحة اللوبيات هو غياب الفروع الجهوية للادارات المانحة للشهائد اللازمة للتصدير عن جهة الانتاج وهو ما يقصي صغار المنتجين الراغبين في تصدير سلعهم الذين يجدون انفسهم مجبرين على نقل البضاعة الى العاصمة للحصول على هذه الشهائد. و لا يقف الامر عند النقل، فعديدهذه الوضعية ليست محض الصدفة بل هي نتاج لسياسة تخلت فيها الدولة عن مسؤولياتها و تركت سلطتها التعديلية و الرقابية لكبار المجمعين المتحكمين في مجال التمور فنجد غيابا كليا لاستراتيجية تنموية للقطاع بل و كل قرارات الدولة تصب لفائدة هذه الفئة على حساب بقية المتدخلين. ابرز مثال على هذا الاقصاء الممنهج و الذي يخدم مصلحة اللوبيات هو غياب الفروع الجهوية للادارات المانحة للشهائد اللازمة للتصدير عن جهة الانتاج وهو ما يقصي صغار المنتجين الراغبين في تصدير سلعهم الذين يجدون انفسهم مجبرين على نقل البضاعة الى العاصمة للحصول على هذه الشهائد. و لا يقف الامر عند النقل، فعديد الشهادات تؤكد وجود محسوبية في اسناد هذه الشهائد و غياب كلي للشفافية الى جانب تعقيدات ادارية جمة عند التصدير و تداخل عدة مصالح فيها مما يجعل الامر شبه مستحيلا.
لذلك تطالب جمعية آلرت برفع جميع الحواجز الإدارية التي تسمح لعائلة الحرشاني وبوجبل بإحتكار القطاع وعرقلة دخول أي منافس جديد لهم وبتسوية وضعية الأراضي الدولية في منطقة توزر وڨبلي