الريع في قطاع الكاكاو
استفحل الريع في تونس في عديد القطاعات نذكر منها صناعة تحويل الكاكاو. كانت هذه المادة هدفاً لاحتكار استيرادها وتحويلها في تونس، إذ تنفرد شركة “سوتيشوك” التابعة لمجمع “السيدة” التابع بدوره ل”مجموعة مبروك” منذ ثمانينات القرن الماضي بهذا النشاط الصناعي. كما يتجلى هذا الاحتكار في غياب الأداءات والمعاليم الديوانية على استيراد حبة الكاكاو، وخضوع المواد المستخرجة منها (مواد جاهزة أو نصف جاهزة) إلى معاليم جمركية و جبائية مرتفعة.
تجدر الإشارة إلى أن نفس المجمع يمتلك عديد الأنشطة في صناعة الشوكولاتة والبسكويت والحلويات والت تمثل مادة الكاكاو المكون الأساسي فيها. ولحماية أنشطته وعرقلة أي منافس للدخول إلى القطاع، ترفض الشركة تزويد السوق التونسية بمادة الكاكاو أو بالمواد المحولة و هو ما يعبر عنه قانونيا بالامتناع عن البيع وهو ما يجرمه قانون المنافسة والأسعار لسنة 2015.
يجدر ايضا ذكر ان تكلفة ولوج سوق تحويل و تصنيع حبة الكاكاو مرتفعة جدا بالمقارنة مع حجم السوق مما يجعلها سوق هيمنة طبيعية. في هذه الحالة يجب مراقبتها بحذر شديد حتى لا تحدث مثل هذه الممارسات المخلة بالمنافسة والتي تقع في إطار الاستغلال المفرط لوضعية هيمنة ويكون أثرها مضاعفا. نتيجة لهذا الوضع الاحتكاري لم يبق لمنافسي “مجمع المبروك” إلا حتمية استيراد المواد المستخرجة من الكاكاو التي تخضع لأداءات عالية، ما يجعل نجاح مشاريع وحدات التحويل الاخرى أمراً مستحيلاً لغياب مقومات المنافسة الشريفة.
فعلى سبيل المثال، تخضع مادة “زبدة الكاكاو” إلى معاليم ديوانية تقدر بنسبة 40% (دون احتساب الأداء على القيمة المضافة ) وتخضع “مسحوق الكاكاو” إلى معاليم بنسبة 49% مقسمة كالأتي
بعد الاطلاع على الملحق الديواني، يمكن حوصلة المعاليم على مادة الكاكاو ومستخرجاتها كالاتي
المواد الأولية: 0% وبعد التحويل الأول %10
المواد نصف الجاهزة: %27 -%36
المواد الجاهزة: 36%/ %36+%15
بات من الواضح أن مثل هذه النسب، والخلفية التي وضعت بها هذه النسب، تمثل حاجزا خفيا حقيقيا يمنع منافسين آخرين من الدخول إلى هذا القطاع فمع تواصل الاستغلال المفرط لوضعية الهيمنة لشركة “سوتيشوك” من خلال الامتناع عن البيع دون أن تحرك الدولة ساكنا، يبقى الحل الوحيد للمتدخلين في قطاع الصناعات الغذائية هو توريد مواد جاهزة و دفع المعاليم الديوانية كاملة في حين يتمتع المنافس المهيمن على السوق وهو مجمع “السيدة” بتكاليف منخفضة جراء الإدماج العمودي مع شركة سوتيشوك في ضرب صارخ لمبادئ المنافسة الشريفة.
لذلك نعتبر أن مثل هذا الإطار القانوني الذي وضع في سياق تاريخي واقتصادي يشجع على الريع ساهم ويساهم إلى اليوم في احتكار السوق من طرف شركة/مجمع وحيد. كما نعتبر أيضا أن هذا الإطار القانوني أداة فعالة إلى اليوم للحماية المفرطة للمجمع المذكور في مجال معالجة وتحويل مادة الكاكاو وصد كل إمكانيات المنافسة في الأنشطة المذكورة. ذلك أن بقاء مثل هذه النسب يترك هامشا غير كاف لتحفيز المعالجة الثانية والثالثة ويفضي بالضرورة إلى احتكار السوق من طرف مجمع وحيد يتحكم في السعر والجودة. وإلى جانب موقعه الاحتكاري، فإن المجمع الذكور يسئ استخدام مركزه المهيمن من خلال اكتساحه قطاع التحويل والتوزيع والبنوك، بالإضافة إلى تبني سلوك يهدف إلى تقييد وثني والقضاء على أي منافس يرغب في الدخول إلى سوق الكاكاو والأسواق ذات الصلة مما أدى إلى تشويه المنافسة.
متفرقات | الأداء على الاستهلاك | ضرائب | المعاليم الديوانية | المادة |
---|---|---|---|---|
3 | 10 | 0 | 0 | الكاكاو |
3 | 10 | 0 | 27 | زبدة الكاكاو |
3 | 10 | 0 | 36 | مسحوق الكاكاو |
بناءً على ما سبق ذكره تعتبر المنظمة أن المعاليم الديوانية، في مجال “الكاكاو” وفي ما يتعلق بالمواد التي تعتبر نصف جاهزة مضرة بالسوق وبالمنافسة. كما تعتبر أن هذه المعاليم أداة لحماية مصالح طرف واحد على حساب بقية المتدخلين. لذلك يجب مراجعتها لتحفيز التحويل الثاني وكسر وضعية الاحتكار والسيطرة في هذا القطاع من خلال التخفيض فيها إلى نسب معقولة كالتي تطبق في جل القطاعات والتي تتراوح بين 10% و15%.
كما تحث المنظمة مجلس المنافسة على التعهد بهذا القطاع و معاقبة شركة سوتيشوك على خلفية استغلالها المفرط لوضعية هيمنة من خلال الامتناع عن البيع و الذي يجرمه الفصل الخامس من القانون عدد 36 لسنة 2015 المتعلق بالمنافسة والأسعار.
بإمكان هذا التمشي أن يكون خطوةً أولى لمحاولة تفكيك جزء من منظومة الاقتصاد الريعي في تونس التي يمثل وجودها وبقائها أهم مظاهر فشل الانتقال الاقتصادي عقدا كاملا بعد الثورة خاصة و ان مجمع المبروك تمكن من تكوين امبراطورية تشمل عدة قطاعات مثل البنوك والاتصالات والتوزيع انطلاقا من وضعية الاحتكار الحاصلة في قطاع الكاكاو و هي أكثر المجمعات التي تشوبها شبهات فساد و الحصول على منافع دون وجه حق من منظومة الحكم قبل و بعد الثورة.