قراءة منظمة الارت في الأحداث الأخيرة المتعلقة بمادة الحليب (قانون المالية 2023) – 28 ديسمبر 2022


قراءة منظمة الارت في الأحداث الأخيرة المتعلقة بمادة الحليب

تعود من جديد قضية الحليب للنقاش على ضوء ما ورد في قانون المالية لسنة 2023. ومرة أخرى تخطئ الحكومة الهدف وتجانب الصواب في معالجة الإشكاليات العميقة والهيكلية في قطاع الحليب والتي تحدثنا عنها سابقا وتقدم حلولا ترقيعية لمشاكل كبرى لا ينفع معها إلا المعالجات الجذرية

 

وخلافا لكل الشعارات الرنانة الصادرة من السلطات على مختلف المستويات في ما يخص السيادة الغذائية والأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من مختلف المواد الأساسية، تأتي بنا الحكومة اليوم بقرار يعزز تبعية بلادنا للخارج وتطلق رصاصة أخرى تجاه منظومات الانتاج الفلاحي. كل قرارات الحكومة تدور في فلك الريعيين و المصنعين أو ما يطلق عليه الرأس مال ” الوطني” فلم تتجرأ الحكومة  بكل ما في يدها من ادوات على تجار الاعلاف وجعلت من  الفلاح علفا لجشعهم المتواصل و غضت الطرف عن تجاوزاتهم. وبعد زيارة رأس السلطة لأحد مصانع الحليب و اطلاقه لنفس أسطوانة الشعارات الرنانة الشعبوية كوفئ الفلاح بزيادة في فيتورة الصوجا و بالتالي تعميقا متواصلا لجراحه و هذه دلالة على أن القطاع اخر اهتمامات رأس السلطة

وبعد انتظار طويل للقرارات التي وعد بها وزير الفلاحة ورئيس الجمهورية للنهوض بالقطاع ووقف النزيف والترفيع في سعر الحليب كمرحلة اولى و تحرير سعره فيما بعد، خيرت الحكومة التوجه نحو الحلول السهلة والتي تفضل المنظومة الأجنبية على حساب المنظومة المحلية (نفس التمشي الذي تم اتباعه في منظومة الحبوب) والتي تعزز نفوذ عدد محدود من المصنعين المحليين على حساب مئات الآلاف من الفلاحين وعلى حساب المخزون الضئيل من العملة الصعبة وذلك من خلال تسهيل توريد مسحوق الحليب


تضمن قانون المالية 2023 إجراءات تعلقت بدعم تزويد السوق بمادة الحليب، إذ نص الفصل 21 من  القانون على إلغاء أحكام الأمر 1391 لسنة 1991 المتعلق بتوظيف معلوم مسحوق الحليب المستورد وعلى إلغاء المعلوم الموظف على الزبدة ( المدرجة برقم التعريفة الديوانية 04051019009) والمنصوص عليه في الأمر 2115 لسنة 1993

يخضع نشاط استيراد الزبدة وكذلك الحليب المجفف لترخيص مسبق صادر عن وزارتي التجارة والصناعة  وذلك في حدود حصة جملية تقدر ب 1400 طن بالنسبة للزبدة و2000 طن بالنسبة لمسحوق الحليب.

تم إلغاء المعلوم التعريفي المسلط على استيراد مسحوق الحليب والمقدر ب 680 دينار للطن الواحد والمعلوم التعريفي المسلط على إستيراد الزبدة والمقدر ب 350 دينار للطن الواحد.

تعتبر الحكومة أن حذف المعاليم الموظفة على مسحوق الحليب والزبدة ستخفف من حدة الأزمة التي تمر بها منظومة الألبان. فأمام التراجع الحاد لتزويد السوق بالحليب الطازج، قدرت مصالح الوزارات المعنية أن هذا الإجراء سيحث المصنع على التعويل على إستعمال المواد المشمولة بهذا الإجراء لصنع مشتقات الحليب وتوجيه الحليب الطازج قدر الإمكان لصنع الحليب المعقم (لتفادي فقدنها من السوق).

ولاقت هذه الإجراءات استحسان الصناعيين. ففي هذا الأطار علق رئيس مجمع فيتالي ونائب رئيس الغرفة الوطنية لصناعة الحليب على إذاعة خاصة على الإجراءات المنصوص عليها في قانون مالية 2023 واعتبرها إجراءات إيجابية في صالح القطاع والمستهلك. كما ذكر كذلك أن هذا الإجراء جاء بطلب من الغرفة الوطنية لصناعة الحليب و يهدف إلى:

  1. المحافظة على الحليب المنتوج محلياً وذلك بنية توجيهه لحليب الشراب، بما ان السوق في حاجة ملحة لهذه المادة
  2. التخفيض في الاداءات على مسحوق الحليب والزبدة (متداخلة في صناعة منتوجات أخرى) سيؤثر على كلفة الإنتاج وبالتالي على السعر النهائي للمنتوج

كما ذكر نائب رئيس الغرفة أن هذا الإجراء سيخفف من المشكل لكن لا يمكن اعتباره حلا للازمة التي يعرفها القطاع، وأن الحل يكمن في العودة لطلب المهنيين والمتمثل في الزيادة في سعر الحليب على مستوى الإنتاج لإنصاف الفلاح

في الواقع، التخفيض في الأداء وفي كلفة المنتوج سينجر عنه فقط ترفيع في هامش ربح الصناعيين المستفيدين من تراخيص التوريد

إن قرار إلغاء المعاليم الديوانية على مادة الزبدة ومسحوق الحليب لا  يعتبر حلاً للأزمة العميقة والهيكلية لقطاع الحليب ولن يقلل من الطلب على الحليب في السوق، حيث أن الحصة السنوية لمسحوق الحليب المستورد والمقدرة ب2000 طن (ما يقارب 20 مليون لتر) لن تكفي لتغير أو تعديل السوق، في المقابل تقدر كمية الحليب المجمعة يومياً 1.4 مليون لتر والحاجيات اليومية تقدرب1.8 مليون لتر، أي عجز يومي ب400 ألف لتر

وحتى لو كانت هناك رغبة في الترفيع في هذه الحصة ، فإن تكلفة إنتاج الحليب والمنتجات المشتقة ستكون باهظة الثمن. فعلى عكس ما صرح به أحد المصنّعين في تعليقه على الموضوع على إذاعة خاصة ، فإن سعر طن الواحد من مسحوق الحليب يتزايد منذ أكثر من عام.  فقد بلغ سعر الطن معدل 4800 دولار عام 2022 (مقارنة ب ​​3300 دولار عام 2021 و 2200 دولار عام 2016)

 ولن يحل كذلك هذا الإجراء المشكلة الأساسية في القطاع (على مستوى الإنتاج) والمتمثلة في نقص في الإنتاج نتيجة فقدان الثروة الحيوانية. تحمل المربي، لسنوات الخسارة المتأتية من ارتفاع تكلفة الإنتاج باستمرار، إلى أن اضطر جزء كبير من مربي الأبقار في السنوات الفارطة وخاصة في الأشهر القليلة الماضية إلى التوقف عن النشاط. ومازال النقص في الإنتاج يتفاقم حيث يقوم مربي الأبقار بالتخلص من الماشية في المسالخ أو ببيعها في أسواق دول مجاورة مما أدى إلى خسارة أكثر من 30% من الأبقار المؤصلة خلال العامين الماضيين، وستستمر هذه الأرقام في الزيادة إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الصحيحة في الوقت المناسب

 كان من الممكن أن يكون هذا الإجراء ناجعاً، إذا اقتصرت مشاكلنا فقط على تزويد السوق بالحليب. فغياب مادة الحليب حالياً من الأسواق مرتبطة أساسا وكما وقع ذكره بالانخفاض الرهيب في الكميات المنتجة

لن يغير هذا الإجراء شيئاً في الأزمة التي يشهدها القطاع كما لن يغير مصنعي الحليب والمواد المحولة منه شيئاً في تركيبة المواد المسوقة، فلا يمكن التعويل على مسحوق الحليب لصناعة ياغورت ذو جودة محترمة ومطابقة للمعايير العالمية، و سيكون هذا الإجراء بمثابة هدية من الدولة لبعض المصنعين الحاصلين على ترخيص لتوريد مسحوق الحليب والزبدة بما أنها كانت عاجزة على تسديد المستحقات المتأتية من الدعم. الشيء الوحيد الذي سيتغير ، كما ذكرنا، هو هامش ربح المنتج، الذي سيرتفع بفضل هذا الإجراء

مرة أخرى تبين الحكومة أن الفلاحين ليسوا جزءًا من حساباتها أو أولوياتها

تذكير بمقتضيات الأمر 1391 وعلى ماذا ينص الأمر 2115 ؟

تم تنقيح الأمر 1391 لسنة 1991  المؤرخ في 23 سبتمبر 1991  المتعلق بتوظيف معلوم مسحوق الحليب المستورد في 3 مناسبات: في 1993, في 2002 وفي 2009. ضبط النص الأصلي المعلوم على مسحوق الحليب المستورد والذي يحتوي على 26% من المادة الدهنية ب368 مليم الكغ الواحد وب735 مليم للكغ الواحد من المسحوق المنزوع الدهن (0%).أما في  تنقيح 2002 و 2009، فقد توظيف معلوم على مسحوق الحليب المستورد (26% و 0%) يقدر ب680 دينار للطن. لذلك  إلغاء العمل بأحكام هذا النص يعني رفع المعلوم الديواني على استيراد مسحوق الحليب

فيما يتعلق بالأمر 2115 لسنة 1993  المؤرخ في  25 أكتوبر 1993 المتعلق بتوظيف معلوم عند توريد الزبدة والزيت الحامض،فقد نقح في مناسبة وحيدة في 2005 (أمر 2931 في سنة 2005) بعد أن أحدث النص الأصلي لفائدة الصندوق العام للتعويض معلوم 350 مليم للكغ الواحد يقع استدراجه عند توريد الزبدة. أدى تنقيح هذا النص  في الفصل 6 من الأمر 2931 لسنة 2005 إلى إيقاف العمل بالمعلوم المحدث بمقتضى الأمر 2115 لسنة 1993 المستوجب على الزبدة المدرجة بالرقم 040510190 والموردة من طرف الأشخاص المرخص لهم من قبل المصالح المعنية لوزارة التجارة والصناعات التقليدية  وذلك في حدود حصة جملية تقدر ب 1400 طن. فإلغاء العمل بأحكام هذا النص يعني إلغاء وجود الحصة ولا يعني إلغاء العمل بالترخيص الإداري

تذكير بصيغ توريد مادة الزبدة ومسحوق الحليب: وجود ترخيص+حصة سنوية

ذكر الأمر 2931 لسنة 2005 خضوع نشاط توريد الزبدة إلى ترخيص من قبل مصالح وزارة التجارة

ونص الأمر الحكومي عدد 2605 لسنة 2015 المؤرخ في 29 ديسمبر 2015 المتعلق بطرق وإجراءات منح الامتيازات الجبائية المنصوص عليها بقانون مالية 2016 على وجود حصة سنوية قدرها 2000 طن استيراد مسحوق الحليب المدرج بالرقم التعريفي 040221 وعلى شرط خضوع هذا النشاط إلى ترخيص مسبق من الوزارة المكلفة بالصناعة. كما نص نفس النص على وجود حصة سنوية تقدر ب 10 مليون لتر لإستيراد الحليب الطازج المدرج بالرقم التعريفي 04.01. تسند للراغب في ممارسة هذا النشاط الحصول على ترخيص من وزارة التجارة (بعد استشارة وزارة الصناعة)

Comments are disabled.